"وهُدوا إلى الطيّب من القول"
- مريم الصّفدي
- Feb 1, 2024
- 2 min read
Updated: Mar 18, 2024
استوقفتني هذا النّهارَ آية:"(وهُدوا) إلى الطّيبِ من القول.."، وقلتُ في نفسي ولها، إنّ تعلّمَ القولِ الطيّبِ أعسرُ الأشياءِ على المرء، حتّى إنّه يُحيج طالبِيه إلى رحلةِ (هدايةٍ) من الله ليتحرَّوه، ويُتقنوه.
حتّى إذا أتقنوه -وحولهم من خبثِ النّفوس وأمراض القلوبِ ما يعسّره-، كانوا ورثةَ الأنبياءِ في الأرض.
هدى الله قلوبَهم بمشيئته إلى صدقِ معرفتِه، ثمّ هداهم بمعرفتهِ إلى طيبِ ذكرِه، فعرفوا أنّه جميلٌ يحبّ الجمال، وطيّبٌ لا يقبلُ إلا طيّبًا.
وإذ ما فهموا عن الخالقِ صفتَه، طفقوا في الأرضِ يتتبّعون ملاحِظَ الجمالِ ومعانيَ الطِّيبِ في الخلق، وانعكسَ ذلك في مبانيهم، فلا تعرف ألسنتُهم بعد ذلكَ من القولِ إلا أطيبَه.
أولئك المليئون بالرّحمة. المدركون حقيقةَ الضعف المزروعِ فيهم، وفي النّاس.
يهديهم اللهُ إلى ملاحظة عينٍ كسيرةِ الخاطر، فيهبّون لينجدوا ضيقَها بكلمةٍ حنونةٍ تسعُها وتحتويها، وتجبرُها لحظةَ كسرها.
ويُدركون أنّ الكون أوسعُ من أن يتسلّقوا سماواتِه على أكتافِ البشر، فيحفظون ألسنتهم عن تحطيمهم، وتشويههم، وتصغيرهم.
أولئك الهيّنون الليّنون.
يعرفونَ متى يربّتون على قلبكَ الشّاكي، ومتى يهمسونَ فيه ما يوقظك من غفلتك برفق. ويهديهم الله بحكمته إلى الأوقاتِ التي يكونُ الكلامُ الطيّب فيها مجرّدَ صمت، أو مؤازرةً بالعيونِ التي لا تتعطّل لغاتُها.
أولئك اللبقون.
يترفّعون عن الّلغطِ والهراء، لا يتتبّعون سقطاتِ النّاس بالقيلِ والقال، وإذا ما سمعوا ما لا يُحمَد عن غيرهم داروهُ بكلامٍ لبِقٍ رحيم، وواروا سوءاتِ إخوانهم بسترِ كلماتٍ حكيمةٍ دافئة.
ولديهم في عيونهم مقياس، يفهمونَ به ما في نفوس النّاسِ من ألم، فلا يوسِعون جراحهم جذبًا وشدًّا وأسئلةً وتحرّيات.
لا تمتدّ ألسنتهم في تعييرٍ وتحقير.
لا تُطيق رأفتهم أن يكسروا الآخرين بقولٍ متعالٍ هو في حقيقته وضيع.
لا ينزلقون إلى أن تكونَ أحرفهم مفاتيحَ شرٍّ ومغاليقَ خير، ويتحاشونَ ذلك ما استطاعوا، وما انتبهوا.
لأنّهم رُزقوا هدايةً (إلهيّةً) إلى كلّ ذاك.
إلى سماءٍ عليّةٍ من الاحتواءِ والسّعةِ والحكمة، تجعلُ ألسنتهم فروعًا ممتدّةً إلى الله، ممتدّةً من كلمةٍ كشجرةٍ طيّبةٍ (ذاتِ أصل)، أصلٍ ثابتٍ، رزينٍ، متين.
أولئكَ الّذين اتّخذوا طيّبَ القولِ منهجًا ومسلكًا، "وهُدوا إلى صراطِ الحميد.."
***
Comentários