top of page
Leaves Shadows

فلسفة الدعاء

  • Writer: مريم الصّفدي
    مريم الصّفدي
  • Feb 1, 2024
  • 2 min read

فلسفة الدعاء في ليالي القدر،

لماذا لا يكفيني دعاءُ الجماعة؟*

..

يلفتُني في الدعاء الجماعيّ أنّ الأدعية تصطبغُ بصبغة الجماعة دومًا، فيكون معظمُها عامًا شاملًا لما يبتغيه المسلمون جلّهم، الإمام يسردُ في دعائه قائمةً طويلةً من الأدعية المأثورة عن النبي عليه السلام وعن السلف، أدعيةٌ يكون نصّها اللغوي دالًا غالبًا على أنّه ابتُغي بها أن تكونَ شاملةً مُختصرةً للمُجمل مما يريدُ النّاس جميعًا على اختلافاتهم. يردّد الجميع: آمين، إثر كلّ دعاء، ويبكي كلّ منهم مع الدعاء الذي يمسّ روحه، ويذكر خاصّةَ قلبه، لكنّه يخرجُ من الدعاء دون أن يقولَ كلّ شيء، ودون أن تُذكر حاجته كما يعرفُها هو نفسه ويعيشُ معها ولأجلِها وفي ظلالِها.

يأتي على مستوىً آخرَ أعمق الدعاءُ الفرديّ، والمناجاة التي تذكّرك بمشهدٍ جليلٍ واحد: "وكلّهم آتيهِ يومَ القيامةِ (فردًا)".

في الدعاء وحدكَ تجدُ نفسكَ في مكاشفةٍ نفسيّةٍ طويلةٍ قد لا يسعها معجمك وقدرةُ لغتك الخاصّة لتسردَها في كلمات، ولكنّك تبدأ بتحليل حاجاتك كلها في ذهنك، فتجدها تنسربُ من وعيك إلى لسانك بكلّ ما أوتيتَ من عبارة.

دعاءك وحدكَ خطابٌ خاصّ من إبداع روحك، لا يلقّنك إياه أحد. خطابٌ إلى مخاطَبٍ عليٍّ تدرك أنّه يعلمُ ما تفكّر به قبل أن تنطق به، وتدرك أنّه لا أطراف في هذه المحادثة المقدّسة سواكما.

لا يهمّ الترتيبُ معظم الأحيان، وربّما سيطرَ التلعثم على وقفتك وأفكارك فاستحضرتَ الدعاءَ الجاهز المحفوظ، ولكنّ عقلك سيرتّب أولوياتك، تقولُ شيئًا تدعو به وتطلبه، ثمّ يتدخّل إيمانك، يعيدُ تنسيق الاحتياجات بحسب أولويّتها، لحظةٌ فارقةٌ من التربية الروحية الخفيّة تحدثُ هنا: أريد أن أدعوَ بحاجات الدنيا كلها، وأريد أن أشكوَ كذا وأطلبَ كذا وكذا، لكنّني في ليلةٍ مشهودة، ما نفعُ حاجات الدنيا كلها أن أسردها وأردّدها إذا لم أسبقها بطلب حاجاتِ الآخرة؟

تصبح صياغة الكلمات بعدَ التجلّي في الدعاء أسهلَ وأسلس: ثمّة مهمٌّ وثمّةَ أهمُّ فيما يُقال ويُطلب، ولكنّه لا حدَّ لما يمكنُ طلبه وأنا بين يدي المُعطي الكريم، سأقولُ كلّ شيء، وسأعترفُ بكلّ شيء، وسأشكو نفسي، وسأُظهر ضعفي، وسأبكي عند هذه الفكرة المعيّنة، لأنها طالما أرّقتني، وأجهدت قلبي، ولا أحد الآن يسمعني سوى الإلهِ العليم، فلن أخشى أمامَه من حقيقتي، يا ربّ، سأقولُ مفردات ذاتي بين يديكَ كما هي رغمَ أنّك أعلمُ بنفسي مني، وأخبَرُ بحاجاتي، لكنّني معكَ الآنَ وحدي، ودائمًا ما احتجتُ إلى أن أتكلّم وأُسمعَ فأزيح حِملَ نفسي عن صدري، ولذلك أقف بين يديكَ وقفة الضعيف المحتاج، وأدعوك دعاء السائل الفقير، وأقلّب وجهي وبصري في السماء، عارفًا أنّك الطبيبُ المجيب.

في مناجاته يصيرُ دعاءك وثيقةً وعهدًا بينك وبينه، فيه التزامٌ ضمنيّ تخطّه طلباتك: "اللهم اغفر لي؛ لأنّي أطلب عفوكَ الآن على نيّةِ أنّي سأصير إنسانًا أفضل. سأجيلُ النظر في نفسي التائهة المريضةِ المخطئة، فأعطني الفرصة. وافتح أبوابكَ جميعها لي حتّى تُصلحني وتعينني على أن أصلُحَ على ما أمرتني. ومدّ العافيةَ في بدني حتى أحيا حياةً ترضى بها عني. واسكب السكينةَ والرضا في روحي حتى تكفيَني بحلالك عن حرامك. ووسّع في رزقي حتّى تلهمني إنفاق ما وهبتني في سبيلك. وارزقني خشيتكَ حتّى أتعلم أن أحاسبَ نفسي قبل لومِ غيري. وهكذا تكونُ درجةٌ ذهنيّةٌ أخرى من الالتزام والعهد، كلّما دعوتَ دعاءً فكان في طيّاته وعدٌ منكَ لله أن تردَّ وتشكرَ دَينَه العظيم.

كما تجلسُ أمام طبيبك أو أخصّ خاصّتك من الناس فتقولُ كلّ شيء. وترى أفكاركَ ارتصفت، وعواصفَ روحك المنهكةِ هدأت. هكذا يكونُ الدعاء وأجلّ. وعند مثلِ هذا الدعاء تكونُ الإجابة، جاهزةً للصادقين وعدًا من ربٍّ يقول: لا أردّ يدَي عبدي صفرًا خائبتَين.


***

 
 
 

Comentários


© 2024 by Mariam Safadi. 

bottom of page