top of page
Leaves Shadows

حَمامة..

  • Writer: مريم الصّفدي
    مريم الصّفدي
  • Apr 19, 2024
  • 2 min read

سمعتُ صوت "حركشة" غريبة، شيءٌ ما عالقٌ بين جدرانِ المدخنةِ الضيقة، ويحاولُ الهرب. ازدادَ صوتُ الحركة والتخبّط، وأصبح عشوائيًا مضطربًا، قبل أن يرتفع إلى ذروته، وأرى جسمًا غريبًا شديد السّوادِ يسقطُ في أرضيّة الموقد، فوقَ الحطبِ والأخشابِ التي كانت رمادًا حارًا في تلك اللحظة.


في بيتنا موقدٌ صغيرٌ نوقده في ليالي الشتاء الباردة بالحطبِ الكبير والأغصان الصغيرة. تعلوه مدخنةٌ طوليّةٌ آخرها في سطح المنزل.

لا تتردّد الطيور والحماماتُ الصغيرة والكبيرة في أن تتخذَ أعشاشها على حافّةِ المدخنة في الأعلى، لنجدها تسقطُ دومًا في فوّهة المدخنة، رغم كل محاولات تسييج الفوّهة من الخارج.


أسرعتُ إلى التقاط طرفِ الجسم الأسود الغريبِ بملقط الموقد، سحبته راغبةً بإبعاده عن الرماد المحترق؛ حتى لا يتحرّق به إن كانَ ما يزالُ حيًا. كانت حمامةً ضخمةً متعبةً من التخبّط بين جدران المدخنة. وقد صبغها الدخان والشحار بسوادٍ مرعب، حتى ظننتها غرابًا أسودَ ميتًا، أو حطبةً متفحّمة. كانت الحمامة مرهقةً تمامًا وغير قادرة على الحركة. إلا أنّ صدرها الصغير يعلو ويهبط في رعب.

استسلمت بين يديّ اللتين اصطبغتا بسوادها وأخذت تغمض عيونها وتفتحهما بسرعةٍ وهي تتفحّصني.

تفحّصتها بدوري وأدركتُ أنها تنازع. وخمّنت أنّ جناحًا من أجنحتها لا بدّ أن يكون عُطبَ بعد سقوطها على جنبها فوق الرّماد الحارّ. وضعتها في صندوقٍ صغيرٍ مستعدّةً لأعيش معها رحلة استشفائها، رغمَ عتبي على دخولها المتكرّر في فوّهةِ النار. لكنّها لم تلبث ساعةً من النهار قبل أن تقف على قدميها وتنفض الغبار وآثار الدخان عن نفسها وتتفحّص المكان برمته، محركةً جناحها غير المصاب بشدّة وعنف، حتى ظننتُ أنها تريد مهاجمتي، بل كانت تهاجمُني بالفعل. كأنّها استحالت صقرًا أو نسرًا جارحًا. أخبرتها: هدئي من روعكِ يا صغيرة. كنتِ تتخبّطين بين الجدرانِ وسوادِ الدخان الكثيف قبل دقائق. لستِ مستعدّةً للتحليق الآن، فضلًا عن المهاجمة. لكنّ الحمامةَ امتلأت بروحٍ ثوريّةٍ حماسيّةٍ فجأة، ويكأنّ اللهبَ الضئيلَ وحرارةَ الرمادِ المشتعلِ بثّت فيها روحًا من حماسةٍ شُجاعةٍ ما قبل الاحتضارِ الأخير.  


مضى يومانِ والحمامةُ ساكنةٌ في مكانها بعد المحادثة الأخيرة. وبدا لي أنّها استمعت إليّ وفهمت عنّي ما أحاول قولَه. لكنّ الحقيقةَ أنّ روحَ الحماسةِ لم تُخمد بهذه السهولة. إذ فوجئت صباحًا بالصندوقِ الصغير فارغًا، وسمعتُ أصواتَ تخبّطٍ من جديد. شيءٌ زجاجيّ يسقط ويتكسّر على الأرض، أغراضي مبعثرةٌ في كل مكان وقد وسّخها اللون الأسود ذاته، جدرانُ البيت جميعها تلوّثت بخطوط سوداء عشوائية بعد أن نثرت الحمامةُ ريشها الأسودَ في كلّ مكان، تطير بجنونٍ في كل زاويةٍ من البيت وتبحث عن شيءٍ لا أعرفه، تبحث عن شيءٍ لا تعرفه، فتحتُ لها الشبابيكَ كلّها، وفتحت الأبواب الكبيرة: اخرجي! هذا مخرجٌ، وذاكَ مخرج. ومن هنا مخرجٌ ثالث، وهناكَ مخرجٌ أخير. لكنّها تأبى الانصياع، بل لا تستمع، رأيتها أخيرًا، بعد أن دمّرت ما دمّرت بطيرانها العشوائيّ المخيف، تقف أمام الموقد. تقف أمامه وتتنفّس بسرعة. ثمّ ترفرف بجناحيها المصابَين بثقل. وتدخل من فوهة الموقد مرّة أخرى. أسمعُ صوت جناحيها يتخبّطان بين جدرانه مجددًا، وصوتَ أظفارها الصغيرةِ وهي تحتكّ بالحديد فتصدر صوتًا مزعجًا ومستفزًا. فعلًا أنّك حمامةٌ برأسٍ صغيرٍ ودماغٍ زيتونيٍّ عنيد. نظرتُ حولي وأنا أسمعُ صوتَ مشهدٍ لا أراه داخل مدخنةٍ مُظلمة، ولم أدرِ أأتأسف على غباء الحمامة، أم يلهمني عنادُها البطوليّ رغمَ أنه يكلّفني الكثير في كلّ مرة.


ماذا أقول.

إنّها مجرّد حمامةٍ في نهايةِ الأمر.

1 comentário


mz11111
11 de mai.

سلام عليكم..

معذرة... أنا أعلق على قصة الحمامة ... وأرجو ألا أكون متجاوزا... ولكن القصة برمتها لا ترتقي إلى كونها جذابة أو شيقة...الأسلوب ينقصه الكثير من أدوات التشويق... بعض الكلمات غير مناسبة في مواضعها فاختيارها أشبه بالعامية...القصة تنتهي سريعا ...ودون عبرة أو إشارة أدبية تترك في النفس أثرا واضحا ... وكأن صديقين يتحدثان ويقص أحدهما على الآخر ماذا حدث بالأمس .. بكثير من البساطة والمباشرة... شكرا..وآسف...أتمنى لكم التوفيق ... معتز صلاح الدين...

Curtir

© 2024 by Mariam Safadi. 

bottom of page