كابـــوس
- مريم الصّفدي
- Jan 25, 2024
- 2 min read
كنا مصطفّين في كراجٍ مُعتم، الضوء في نهايته خافتٌ أقربُ إلى السرابِ ضئيل، والجو فيه باردٌ برودةَ خوفنا وترقُّبنا، كلنا كنّا نساءً، أو هكذا ظهرَ لي.
يزاحمنا في المكان جنودٌ مدجّجون بالكراهية، لم يحملوا وجوهًا بشريةً بل وجوهَ أحزابهم، وعلى جباههم الضيّقة كُتبت هويّاتهم بخطوطٍ عريضة، اختلفت أسماؤهم، وبدا أنهم اتّفقوا جميعًا على قتلنا.
أخرجوا من جيوبنا صورَنا الشخصية عُنوةً ونثروها في المكان، كانت صورًا كثيرة، لم أتبين هويات أصحابِها، لكنّهم كانوا نظيفي الجباه تمامًا.
تحسّستُ جبهتي بقلق.
أخذ أحدهم صورةَ من بجانبي، ثبّتها وسامًا على صدره، ثمّ أطلق نحو صدرها سبعَ رصاصات، ورمى على جسدها كفنًا أبيض. وقف بصمتٍ رافعًا يديه وأخذ يتمتم بشيءٍ لم أسمعه، كأنّها كانت سورة الفاتحة.
دمُ من على يميني بدأ يسيل تحت قدميّ، صوتُ الرصاص يعلو، الصور تستقر أوسمةً على صدورهم العريضة، صرت أراها أكثر وضوحًا، وأقلّ قيمة.
دورنا يقترب..
التفتّ إلى التي على يساري: ماذا نفعل؟
-"ينزل علينا سلاحٌ من السماء ندرأ به عن أنفسنا الموت، أو نفقأ أعيننا كي لا نرى."
وافقتُ، وفقأت لي عينيَ اليمنى بسكينٍ كي لا أرى موتَ البقية عن يميني، وأبقت على اليسرى حتّى أراها هيَ وهي تموت، وأقرأَ لها الفاتحة مع القاتل.. فعلتُ لها الشيء ذاته، ففقأت لها عينها اليسرى دون الأخرى؛ كي يشهدَ نهايتي أحد.
أسمع صوت شخصٍ أعرفه يتوسّل إلى الجنديّ عن اليمين، الصوت قريبٌ جدًا، أقسم في سري إنني أعرف الصوت، سمعته طوال حياتي، أريد أن أراه، لكنّ صوت الرصاص أعلى، استقرّ في صدرِ الصوت فاختفى.
بكيتُ من عينيَ اليسرى البعيدةِ عن أنفاسه الأخيرة، ونزفت اليمنى دمًا وقتًا طويلًا.
ها هم يتساقطون تباعًا، من ورائي وأمامي، وعن يميني وشمالي، ثمّ يصعدون إلى السماء، يختفون، ولا تبقى سوى صورهم متناثرةً على الأرض.
أرى بؤرةً من السواد في ذاك الظلام البارد تبتلعني، لماذا لم يُجهز عليّ أحد؟ ماذا ينتظرون؟ لماذا أشعر أنّي وحدي هنا؟ أين ذهبتم؟
هل كُتب على جبيني شيءٌ ما منعَ الرصاص من اختراق صدري؟
لم أعد أسمع همسَ من على يساري، ربّما ماتت..
استدرت نحو اليمين كي لا أتأكّد، لم أقرأ لها شيئًا.. ووقفت أنتظر دوري، رغم أنّ باب الكراج كان مفتوحًا.
***
Comments