top of page
Leaves Shadows

تشيرنوبل

  • Writer: مريم الصّفدي
    مريم الصّفدي
  • Jan 25, 2024
  • 1 min read

يوافقُ الأمينُ العامّ للحزب الشيوعيّ السوفييتي في مسلسل تشيرنوبل على اقتراح المستشار العلميّ بأن يتم استدعاء مئات عمّال المناجم -وعشرات الآلاف لاحقًا- ليقوموا بالحفر تحت مركز المفاعل النووي الذي يحترق، في درجاتِ حرارة عالية جدًا، ومع خطر التعرّض للإشعاعات القاتلة الصادرة عن المفاعل، في خطوةٍ للسيطرة على الكارثة النووية ومنع تسرّب الإشعاعات المدمّرة للمياه الجوفية التي تغذّي خمسين مليون إنسان في القارة.

يسقط السياسيّون في لحظاتِ إدراكٍ مروّعة: لا يمكن لهم احتواء الكارثةِ أو التعاملُ معها أو حتى الاقتراب منها، مهاراتهم المعدومة ومؤهّلاتهم المُختلَقة لا تخدم الموقفَ الديستوبيّ الرهيب في شيء، ويجدون أنفسهم محتاجين إلى التضحية بآلاف الأرواح واستجدائها لاحتواء أخطائهم الإداريّة وتهدئة ارتباكِهم فوق كراسي مسؤوليتهم الواسعة.

يواجه "وزير الفحم" مئات العمّال المسحوقين، يحاول إلقاء الأمر في وجوههم بالقوّة: ستأتون لإصلاح ما أفسدنا وإلا سنقتلكم جميعًا. العقليّةُ القمعيّة الجبانةُ ذاتها التي تسيّر دولَنا إلى اليوم. وحين يدرك أنّ تهديدهم بالقتل لا يرهبهم كما اعتادت آلةُ الظّلم السخيفة، يجد مواجهتَهم بحقيقةِ الأمر أجدى: أنتم الوحيدون القادرون على إنقاذ الحياة البشريّة لمئات الأعوام على هذه القارة.

الحقيقةُ والمسؤولية تحرّك الرجالَ الحقيقيّينَ أكثرَ ممّا يرهبهم الرّصاص، يهزّ مئات العمّال المتعبين رؤوسهم بعد أن يستوعبوا حجم الكارثة التي سيضحّون بأجسادهم وأرواحهم لأجلها في قلبِ الخطر، يربّتون بأيديهم المتّسخة والمتشقّقة على البدلة الأنيقة لوزير الفحم في طريقهم إلى الموت، يلوّثون وجهه النظيف وملابسَه الفخمة ومنصبه المنتفخَ بسوادِ العالم الحقيقيّ الذي لا يعرفُه، ثمّ يقولون: "الآنَ صرتَ تبدو (وزيرًا للفحم)".

يصل العمّال إلى موقع المفاعل، وينصحُ نائبُ الأمين العام مستشارَه العلميّ نصيحةً واحدة: "لا تكذب عليهم، قل الحقيقةَ عمّا سيجري لهم فحسب؛ هؤلاء الرجالُ يعملونَ في الظلام، إنّهم يرونَ كلّ شيء.."

كم يكرّر التاريخ في كلّ الأرض نفسَه بإيقاعٍ مهيب وسوادٍ مخيف. وكم يجهلُ أصحاب الفسادِ والسّلطةِ الفارغةِ حجمَ بصيرةِ المسحوقينَ في الظّلام.





***


Комментарии


© 2024 by Mariam Safadi. 

bottom of page