لستُ من هناك
- مريم الصّفدي
- Feb 9, 2024
- 2 min read
لستُ أمًا..
لكنّي أبكي كلّ أمٍ انتظرت طويلَ الشهورِ أن تسمعَ أولى أنفاسِ طفلها، ثم رأته يلفظ آخرَها في قصفٍ أو قنصٍ أو بردٍ أو جوع. أبكي كل أمٍّ تسعى في الشوارع هذه اللحظة لتجد لقمةً تضعها في أفواه صغارها بينما العالم مُتخَمٌ بالسّفه. تُعجزني دموع الأمهات الصامتة على وجوههنّ المتعبة، وهنّ يودعن أجساد بناتهنّ وشبابهنّ إلى الأكفان. أجسادٌ صُنعت على عين المحبّة وشبّت على أكفّ التعب، لتصيرَ إلى أشلاءٍ راحلةٍ في كلّ زاوية.
لستُ أبًا..
لكني أرثي جيوبهم المُثقلة بحمل السنين الطويلة، هذه الجيوب التي استثمرت العرقَ والتعبَ والتفكيرَ والسهرَ عُملاتٍ صعبة، ثم رأى أصحابها شقاء سنواتهم وتجاعيد أكفّهم تُهدم قدسيّتها في جزءٍ من لحظةٍ عابثة. أرثي لكلّ أبٍ يركض الآن بين الأنقاض فيتعثّر بها وتُبطئ حركته، يبحث عن صوتٍ أو بصيصِ نورٍ يطمئن به إلى أن يجدهم جميعًا، أن يجد منهم واحدًا فقط، ولو جثةً تستحقّ تكريمَ دفنها.
لستُ طفلًا..
لكنّي أخاف ظلالَ العابرين القاتمة، ورائحةَ الدمِ، وكلَّ الأصوات. أخافُ الكلامَ وأكره اللعبَ وأريد أن ينتهي كلُّ شيءٍ ولمّا يبدأ. أريد ألا تُقصف مدرستي ويموت أصدقائي وتستشهد أمي ويُجرح أبي ويُفقد إخوتي وأبقى وحدي. وأريدُ ألّا يكونَ هذا طلبًا صعبًا من العالمِ وخطِرًا عليه، لكنّه يبدو كذلك.
لستُ شهيدًا..
لكنّي أحسّ ملمس الرصاصةِ في قلبي وحرارة الشظيةِ في جبيني وصوتَ الانفجار الأخيرِ قبل الهدوء المؤبّد. أحسّ بالبرد يخترق جلدي ثم عظمي ويسكن أخيرًا في صدري فيمكث هناكَ ويبقى. بردٌ هادئٌ ساكنٌ مريح، يقزّم حجم الدنيا فلا يُبقي لها قيمةً بعد كل هذا الدمارِ والظّلمِ ولا يذر.
لستُ من غزة..
لكنّي أشعر أن الحياةَ لم يعد لها معنىً حقيقيٌّ واضحٌ أستطيع إمساكَه بيدَي روحي وعقلي. لم أعد أستطيع أن أفهم كيف يسير العالم، لم أعد أصدّق شيئًا أو أكترث لشيءٍ تمامًا. تراودني أطياف من ذهبوا صباحَ مساء، تلاحقني قصصهم وتفاصيلهم وملامحهم التي تختفي شيئًا فشيئًا في سرابٍ بعيد، وتتركنا وحدنا في متاهةِ أسئلةٍ لا تنتهي.
لستُ أمًا ولستُ أبًا ولستُ طفلًا ولستُ شهيدًا ولستُ من هناك..
لستُ شيئًا يا الله. أشعر أنّي لستُ شيئًا..
***
مؤسف أن كلاما كهذا لن يغير شيء.. وسيكون أحد الخيارات للتسلية في وقت قراءته لا أكثر ..أنظري الى الضجة التي أحدثتها مسابقة للعبة كرة في هذه الأيام بين الناس والشعوب كيف أنها طغت على القضية الذي ظننا أنها ستبقى القضية المحورية الى قبل بدء المسابقة.. ربما يكون السبب أن الإنسان في زماننا يعيش معركة ضارية مع نفسه ومع الظروف حوله تغنيه عن أن يضع نفسه طرفا في معارك الآخرين.. هل صحيح أن يظن الانسان نفسه أنه لا شيء.. أنا أظن أني لست شيئا منذ زمن ولكن اعتقادي بذلك يتجلى بفكري وسلوكي بطريقة أصمت بها امام كل شيء.. حتى امام الخطأ وأمام الحرب املك من الوعي ما يجعلني أعتقد أن لا كلام سيغير شيء.. وكلام الله لم يغير الا من كان…