لُــغـــة
- مريم الصّفدي
- Feb 1, 2024
- 1 min read
أفكارٌ كثيرةٌ تدور في عقولنا ومشاعرُ أكثر نحسّ بها ونعيش معها، لكنّنا نصمت تمامًا إزاءها وفي حضرتها؛ لا مختارين، وإنّما عاجزين عن البيان والتبيين. وربما أنقذَنا التعبيرُ عن بعضها من مصائرَ كثيرةٍ لا نريدها، لكنّ اللغة في بعض اللحظات الفارقةِ تخذلنا، بقدرِ ما تخدمنا في مواضعَ أخرى.
أتخيّل لو لم تكن اللغةُ مجرّد رموزٍ مجرّدة خاضعةٍ لسلطاننا، وكانت متمثّلةً بكائنٍ حكيمٍ يرقبُ مشاهدنا من بعيد، فيلقي بوحيه حين يريد للمشهد أن يكتمل، ويغيّب عنا حكمتَه حين يريد له أن ينتهيَ أو يكونَ منقوصًا، وأشعر أنّ هذا هو التفسير الوحيد لتلعثمنا وتردّدنا وصمتنا، وقصورنا عن الإفهام والبوح، نحن الذين اعتدنا تطويع الكلماتِ وتمريرها بين أصابعنا.
قرأتُ مرّةً في رواية لبلغاري اسمه غوسبودينوف، أنّ الله لا يمنحُ المواليدَ اللغةَ فورًا لسبب، وهو أنّهم عند ولادتهم يكونون عارفين لسرّ الجنة التي جاؤوا منها، لكنّهم لا يعطَون اللغةَ كي لا يبوحوا بذاك السّر، وحينَ يُمنحون هبةَ البيان، يكون قد مرّ وقتٌ طويلٌ على السرّ حتى نسوه تمامًا. ربما هذا هو بالضبط ما يحدث لنا كبارًا أيضًا. نكون عارفين للسرّ الذي لو جهرنا به عشنا في نعيم الموقف واختصرنا كثيرًا من الألم، لكنّنا نُسلب القدرة حينئذ، حتّى يمر كل شيءٍ فننسى الكلماتِ، ونَنسى، ونُنسى.
Comments